<أصل منطقة جيزان منطقة يمنية في سنة 1930 أغتصبها السعوديون من اليمن أغتصاباً بالغزو ويمكن لليمنيين ان يطالبوا بمنطقة جيزان ونجران وسنحارب في هذه المعركة المصريين مع اليمنيين>..
يشهد التاريخ وهو خير الشاهدين إن اليمن كان مهد حضارة إنسانية عظيمة طفقت شهرتها الآفاق الواسعة وجعلته يعيش في مصاف الأمم والشعوب الراقية على مستوى المعمورة كلها وقد شهد اليمن قيام ثلاث دول حضارية في أحقاب متوالية وهي دولة معين "3000، 1000 ق.م" ودولة سبأ "1000 ـ 115 ق.م" ودولة حمير "115 ق.م ـ 252م" وكان لها دور عظيم وشأن كبير في رفعة اليمن وتحقيق نهضته الحضارية المشهود ويتجلى ذلك من خلال ما جاء به القرآن الكريم ﴿لَقَد كانَ لِسَبإ في مَسكَنِهِم آيةٌ جَنَّتَانِ عَن يمينٍ وَشمالٍ كُلُواْ مِنْ رِزقِ رَبّكُمْ وَاْشكُرواْ لَهُ بَلدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبٌ غَفُوُرٌ﴾… صدق الله العظيم.. وعندما أنبلجت أنوار الدين الإسلامي الحنيف دخل اليمن في دين الله راضياً مختاراً وأصبح يشكل جزءاً حيوياً وفاعلاً من الدولة الإسلامية الكبرى وحمل رجاله المجاهدون راية الجهاد المقدس في الفتوحات الإسلامية التي غطت أقاليم واسعة من قارات آسيا وأفريقيا وأوربا والتي بدأت في عهد الرسول (ص) وبلغت ذروتها في عهد الخلفاء الراشدين وفي عهد الدولة الاموية وحتى عهد الدولة العباسية. ولكن اليمن في صدر الإسلام أستقل عن الحكم العباسي وكانت دولة بني زياد "821 ـ 1012" أول دولة يمنية مستقلة شمل نفوذها كل الأراضي اليمنية وخضعت لها الحجاز في فترة معينة من تاريخ حكمها ثم توالي بعد ذلك قيام الدول اليمنية المستقلة والتي تمكنت غالبيتها من إخضاع جميع أراضي اليمن الطبيعي وإدخاله في محيط نفوذها ودائرة سلطاتها كدولة بني يعفر 839 ـ 873 دولة بني نجاح "1013 ـ 1160" ودولة بني الصليحي "1047ـ1138" دولة بني زريع" 1077ـ1173" <ودولة بني حاتم> 1099 ـ1173" ودولة بني مهدي "1158ـ1173" ودولة بني أيوب "1173ـ1229" ودولة بني رسول "1229ـ1454" ودولة بني طاهر "1454ـ1517" وهي الدولة التي سقطت على أيدي الشراكسة بمساعدة بعض الائمة في اليمن ثم ظهر الأتراك بعد ذلك كعاملٍ جديد من عوامل الصراع والتناحر فوق الأراضي اليمنية حيث دخلوا بدءاً من النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي في معارك ضارية ومواجهات متواصلة سواء مع الأئمة أم مع الأمراء المحليين الذين كانوا قد استقلوا بمناطقهم عن الدولة المركزية اليمنية أصبحوا يديرون شؤونها في معزل عنها. وما يهمنا من هذا الأمر هو إن منطقتي عسير ونجران اليمنيتين ظلتا منذ ان إستقل اليمن عن الدولة العباسية عام 821م وحتى عقد الثلاثينيات من القرن
الحالي تعانيان مما تعانيه اليمن الأم من الهزات والاضطرابات والتمردات وكان إستقرارهما مرهوناً بإستقرار اليمن بحكم صلتهما وإرتباطهما به تاريخياً وجغرافياً وبشرياً وثقافياً منذ فجر الأزل ولم يسبق لهما أن خضعتا طوال تلك الفترة لأي حكومة أو سلطة توالي قيامها في الحجاز أو نجد لا من قريب ولا من بعيد. ولكن نظراً لغياب السلطة المركزية اليمنية في مطلع القرن الحالي قام محمد علي الأدريسي "المغربي الأصل" في عام 1907 بإنشاء إمارة مستقلة في عسير عاصمتها "أبها" الأمر الذي أدى بدوره إلى إثارة غضب وإستنكار آل عايض مشائخ عسير وحكامها التاريخيين وقيامهم بالتالي بمقاتلته ومحاربته بهدف ترحيله عن المنطقة وطرده منها الأمر الذي دفع بالأدريسي لطلب قوة سعودية من نجد لمعاونته في هذه الحرب فوصلت قوات سعودية إلى المنطقة في مايو 1920م، ويقدر عددها بحوالي أربعة آلاف رجل، وأثناء تواجدها في المنطقة هاجمت قافلة الحجاج اليمنية المؤلفة من ثلاثة آلاف حاج وهي في طريقها إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج وقتلت جميع أفرادها، ولم يسلم منهم سوى ثلاثة أشخاص كانوا في مؤخرة القافلة… وقد أثار هذا الحادث مشاعر اليمنيين وغضبهم في طول البلاد وعرضها. اما بالنسبة للأدريسي فقد أتجه إلى التوسع في الأراضي اليمنية الأخرى، فأحتل الحديدة في 31 يناير 1921م. غير ان القوات اليمنية تمكنت من إستعادتها فيما بعد في 25 مارس 1925م. ومن ثم واصلت تقدمها لاستعادة عسير وطرد الادارسة منها، الأمر الذي حدا بالحسن الإدريسي إلى وضع عسير تحت الحماية السعودية موجب معاهدة مكة المبرمة في 21 أكتوبر 1926م. ولقد ثارت ثائرة الشعب اليمني من أقصاه إلى أدناه ضد الوجود السعودي الدخيل في اليمن وتزامن ذلك مع قيام المفاوضات اليمنية السعودية والتي أنعقدت جلساتها في صنعاء ومكة خلال عامي 1927، 1928م غير أنها فشلت جلساتها في صنعاء وإنهاء الصراع بين البلدين الأمر الذي جعل القوات اليمنية تقوم في صيف عام 1931م بفرض سيطرتها وإثبات وجودها على جبل العرو من منطقة عسير تمهيداً لاجتياحها وإستعادتها بالقوة وكان ذلك وراء قيام الملك عبد العزيز بإعلان إعترافه بشرعية الوجود اليمني في جبل العرو وتأكد هذا الاعتراف من خلال أتفاقية العرو المبرمة بين البلدين في 15 ديسمبر 1931م. ولكن بما ان شهية الأطماع التوسعية هي السمة الغالبة على طبيعة النظام السعودي وسجيته في ذلك الحين وكل حين فقد عمد الملك عبد العزيز إلى ضم منطقة عسير نهائياً إلى الحكم السعودي عام 1932 مستغلاً في ذلك قيام الحسن الإدريسي بإعلان الثورة ضد الوجود السعودي في المنقطة.. وعد ذلك نزل خبر هذا الضم نزول الصاعقة على رؤوس أبناء اليمن مما جعلهم يتحفزون للقتال ويقومون بسن سيوف الحرب إستعداداً لمنازلة الوجود السعودي الدخيل في عسير وقهره وإنهائه.. وكانت ثورة الغضب الشعبي اليمني ضد الإجراء السعودي القهري أحد أبرز العوامل التي أدت إلى اخفاق المفاوضات الثنائية بين البلدين والتي أستمرت من مايو 1933م وحتى فبراير 1934 وانهائها. وعندما أدرك الملك عبد العزيز حقيقة إصرار اليمن على إسترجاع ارضه وبلاده بالقوة مهما كلفه ذلك من ثمن بادر إلى استباق الأحداث وإعلان الحرب العدوانية ضد اليمن في 15 ابريل 1934م والتي بدأت بتقدم تشكيل من القوات السعودية المرابطة في جبهة نجران وجبال عسير الداخلية في إتجاه منطقة "باقم" الإستراتيجية بهدف احتلالها والسيطرة عليها غير ان القوات اليمنية المرابطة هناك تصدت لها ببسالة نادرة وأشتبكت معها في معارك طاحنة دارت رحاها في مضيق "باب الحديد" وموقع "شيحاط" وانتهت بتراجع القوات السعودية وفرارها من أرض المعارك بعد ان منيت بخسائر فادحة في الأرواح والمعدات. كما بدأت الحرب العدوانية على جبهة تهامة وساحل البحر الأحمر بتقدم الوحدات العسكرية السعودية نحو الأراضي اليمنية وقد تصدت لها القوات اليمنية المرابطة في "حرض" و"ميدي" وأشتبكت معها في معركة "وادي خبوان" وغيرها من المعارك الأخرى والتي آل امرها إلى إنهيار القوات السعودية وإضطراب صفوفها وإلحاقها بخسائر كبيرة في الأرواح والمعدات أيضاً. ولكن على الرغم من أن النصر في هذه المعارك كان حليف القوات اليمنية إلا ان الإمام يحيى نتيجة لخور أعصابه وضعف إدراكه وكبر سنة أصدر أمره إلى القوات اليمنية بوقف إطلاق النار من جانب واحد وعدم التعرض للقوات السعودية المتقدمة الأمر الذي ساعدها على دخول أجزاء من نجران ودخول "حرض" في 21 أبريل 1934 و"ميدي" في 26 ابريل و "الحديدة في 4 مايو بدون أية مقاومة تذكر. وبعد ان أصبحت القوات السعودية ترابط في أعماق الأراضي اليمنية بدأ النظام السعودي في إملاء شروطه ومطالبه التوسعية في اليمن وبصورة تتسم بالعنجهية والغرور وتتنافى مع ماهية حقوق اليمن التاريخية في أراضي عسير ونجران وعند ذلك تدخل بعض القادة العرب مثل الحاج أمين الحسيني "فلسطين" وشكيب أرسلان لبنان" ومحمد علي علوية "مصر" وهاشم الأتاسي "سوريا" وبذلوا وساطتهم من أجل تهدئة الصراع القائم بين البلدين ونزع فتيله وتكللت جهودهم ومساعيهم الحميدة بقيام البلدين في 19 مايو 1934م بابرام اتفاقية الطائف ذات الطابع التصالحي التهادني الوقتي غير النهائي والتي تهدف غاية ما تهدف إلى أعطاء البلدين المتحاربين الوقت الكافي لتضميد جراحاتهما وتناسي خلافاتهما وتبدل أوضاعهما القائمة وبعد إنتهاء هذا الوقت الذي حددته المادة 22 من الإتفاقية بـ 20 عاماً يصبح من حق الجانب اليمني إعلان مطالبته بإسترجاع أراضي عسير ونجران وإستعادتهما إلى حظيرته الطبيعية كما كان شأنها منذ فجر الأزل.. وهذا يعني إن اتفاقية الطائف أنتهى مفعولها وأنقضى أمرها وفقدت صلاحيتها خلال عام 1954م ولم يعد للنظام السعودي أي سند قانوني أو برهان سياسي يؤيد استمراره في إحتلال أراضي عسير ونجران اليمنية وبقائه عليها منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم. على إن هذا الأمر كان وراء قيام النظام السعودي بتصعيد الحملات العدائية ضد اليمن والتي بدأت بتدخله لإفشال ثورتي 1948، 1955 وتزايدت بتدخله لإسقاط ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963م وتعاظمت بقيامه بشن الحروب الاقتصادية والسياسية والعسكرية ضد الوحدة اليمنية منذ قيامها في 22 مايو 1990م وتصاعدت بقيامه بمحاولة تخطيط المستقبل اليمني وتحديد معالمه وإعادة تشكيله من جديد طبقاً لما تقتضيه مصالحه وأهدافه التوسعية في اليمن. ولكنه وأحقاقاً للحق فإن الحملات والإجراءات السعودية المعادية ضد اليمن فضلت في تحقيق اهدافها وغايتها المرسومة على الساحة اليمنية وأخفقت في ترويض اليمن وتطويعه لقبول التعامل مع النظام السعودي وقبول أي تسوية قد تجري معه في المستقبل بشأن الأراضي اليمنية السليبة وذلك إنطلاقاً من طبيعة حقوق اليمن التاريخية في أراضي عسير ونجران وخصوصية هذه الأراضي والتي يقدر مساحتها بنحو 233822 كيلو متر منها 93964 كيلو متر مربع مساحة عسير و139858 كيلو متر مربع مربع مساحة نجران "بدون حزام الربع الخالي" وهي المساحة التي تفوق مساحة فلسطين "27000" بأكثر من ثمان مرات وتفوق مساحة لبنان "10452" بأكثر من إثنين وعشرين مرة". وإذا كان لابد من كلمة نقولها في هذا المقام فاننا لن نجد بداً من القول بأن الغاية من وراء إصدار هذا الكتاب في الوقت الراهن تكمن فيما يلي: أولاً: بلورة آفاق الصحوة الوطنية المعاصرة في اليمن وتسخيرها لما يخدم قضية تحرير الأراضي اليمنية السليبة في عسير ونجران ضماناً لتحقيق الوحدة اليمنية الشاملة. ثانياً: قطع الطريق أمام المحاولات السعودية الرامية إلى تهيئة الساحة اليمنية وتطويعها لقبول المطالب السعودية التوسعية في اليمن والخضوع أمامها. ثالثاً: المساهمة في خلق وإيجاد رأي عام عربي ودولي يعمل على تأييد حقوق اليمن التاريخية في عسير ونجران ويسعى إلى إدانة الحملات السعودية المعادية تجاه اليمن وإستنكارا والوقوف ضدها في شتى المحافل والميادين العربية والدولية. أرجو ان يكلل هذا العمل بالنجاح العظيم وأن نرى علم اليمن شامخاً خفاقاً فوق عسير ونجران في المستقبل القريب ما ذلك على الله ببعيد والله أكبر والنصر لليمن..
الحقوق اليمنية التاريخية في عسير ونجران منذ فجر الأول وحتى اليوم
من المعروف ان شبه الجزيرة العربية ظلت مقسمة ومجزأة إلى وحدات صغيرة وكبيرة منذ أمدٍ بعيد، وان الوحدة السياسية الحقيقية في تاريخها لم تقم الا في ظل الدولة الإسلامية الكبرى حين عاشت شبه الجزيرة العربية مع غيرها من البلدان الأخرى هذه الوحدة لفترة من الوقت ثم ما لبث الولاة المسلمون ان استقلوا بالاجزاء التي سيطروا عليها فعادت الجزيرة إلى ما كانت عليه من التفكك والانقسام. وعندما تهاوت قلاع الدولة الإسلامية الكبرى عام 750م انتشرت في ربوع اليمن الاضطرابات والنزاعات الاستقلالية المحلية والتي آل أمرها إلى تجزئته إلى وحدات سياسية صغيرة كان لها أبلغ الاثر على مستقبل اليمن ووحدته السياسية، غير ان هذا الوضع لم يستمر على هذا النحو فقد تمكن اليمن في فترات معينة من تحقيق وحدته الوطنية في اطار سياسي واحد وفي ظل دولته المركزية الواحدة والتي استمرت قروناً من الزمن([1]). والمهم في الأمر ان منطقتي عسير ونجران([2]) ظلتا خلال تلك الفترة التاريخية تعاني مما تعانيه اليمن الأم من الاحداث والتطورات السياسية وكان
([1])يعرف اليمن على مدار التاريخ بأنه يشمل القسم الجنوبي من الجزيرة العربية الممتد من الخليج العربي شرقاً حتى البحر الأحمر غرباً ومن أوسط الجزيرة العربية شمالاً حتى البحر العربي والمحيط الهندي جنوباً.
([2])منطقة عسير. اسم عسير مصطلح جغرافي حديث الاستعمال ولهذا قيل بأن عسير منسوب إلى أحد ساكنيه القدماء اسمه "عسير" وقيل أيضاً بأن اسم عسير مشتق من العسر لصعوبة طرقه وارتفاع جباله ويطلق عسير على مرتفعات غرب شبه الجزيرة العربية الممتدة من النماص شمالاً "احداثيات 19 شمال × 42 شرق" إلى نجران جنوباً "احداثيات 17 شمال × 10 41/ شرق". اضف إلى ذلك الأراضي الهضبية والصحراء الساحلية لما يسمى تهامة بين بلدة القحمة "احداثيات 16 25/42 45/ شرق" ومن الشرق إلى الغرب تمتد عسير من أطراف صحراء وسط شبه الجزيرة العربية إلى ساحل البحر الاحمر. وتنقسم عسير إلى منطقتين: 1 ـ المنطقة الساحلية "تهامة عسير" وتمتد على ساحل البحر الأحمر بطولي 200 ميل وعرض 45 ميل ومن أشهر مدنها. جيزان "وهي ميناء وعاصمة تهامة عسير وتقع على بعد80 كيلو متر شمال ميدي، وكانت جيزان تسمى بالمخلاف السليماني نسبة إلى أحد أمرائها وهو سليمان من طرف الحكمي من أمراء النصف الثاني من القرن الرابع الهجري ".. القنفذة، حلى، الشقيق، أبو عريش، محايل. 2 ـ المنطقة الجبلية "عسير السراة" وتنحدر في الشرق حتى تصل بنجد وحائل في الشمال ومن أشهر مدنها ابها، خميس مشيط، محلة، النماص، بيشة، تربة الحزمة، رنية، قرى بارق. ومن أشهر قبائل عسير قبيلة قطحان شهران وقبيلة وادعة. وهناك عدد من القبائل الأخرى في عسير مثل قبائل زهران وشهران وشمران وبني شهر وعامر وبالاسمر.. الخ. وتقدر مساحة عسير بنحو 93964 كيلو متر مربع ويبلغ عدد سكانها نحو 650 ألف نسمة. منطقة نجران: سميت نجران بهذا الاسم نسبة إلى نجران بن يزد بن قحطان اليمني وهو أول من عمَّرها ونزل فيها، وتقع نجران على ارتفاع 4000 قدم وعلى دائرة عرض 17.29 شمالاً ومنبسط من الأرض السهلة المرتفعة التي يخترقها من وسطها مجرى الوادي المعروف بوادي "نجران" من أعلاه إلى أسفله حيث يمر في رمال الربع الخالين ويحيط "بنجران" من الجنوب والشمال سلسلتان من الجبال والهضاب، تفضل السلسلة الجنوبية بينه وبين بلاد "الفرع، ووائلة" وهي متفرعة من جبال السراة المرتفعة متجة من الغرب إلى الشرق، ويقل ارتفاعها كلما اتجهت إلى الشرق إلى ان تغور في الرمال. وأهم جبال هذه السلسلة جبل "همدان" وهو مرتفع عن سائر اقسام السلسلة التي تسمى باسم جبال نجران أكثر مواقع هذه السلسلة صعبة المرتقى بحيث يكون الاجتياز من "نجران" ـ بواسطتها ـ صعب جداً إلاَّ في مواقع معينة فيها فجوات تعرف بالهضاب،العقبات وهما عقبة "شهوئة" التي تبعد عن بلد "الحضن" مسافة بضع ساعات إلى جهة الجنوب.. ومن أهم بائل نجران قبيلة "يام" التي تنقسم إلى ثلاثة بطون" الواجدي وجشم وآل فاطمة. اما عن أهم القرى في وادي نجران فهي": الموفجة، سلوه، زوال الحارثة، بران، العان، خشيوة، أبو السور، صنعاء "قرية للاشراف في نجران عوير، ضجة، الصعيد، خضراء. وتقدر مساحة نجران بحوالي 139858" كيلو متر مربع ويبلغ عدد سكانها نحو 180 ألف نسمة.
استقرارهما مرهوناً باستقرار اليمن الطبيعي باعتبارهما تشكلان جزءاً لا يتجزأ عنه وحق معترف بشرعيته منذ الأزمان الموغلة في القدم وحتى قيام الساعة. ولقد شهدت منطقتا عسير ونجران بعض الاحداث والتطورات الناجمة عن هبوب رياح الحركة الوهابية وتزايدها في شبه الجزيرة العربية، وكانت الحركة قد ظهرت بعد ان تحالف رجل الدين محمد بن عبد الوهاب مع أمير الدرعية محمد بن سعود عام 1737م على نشر الدعوة وترويجها في المنطقة..و كان هذا التحالف مبنياً على أساس ضم كل الاجزاء التي يتم الاستيلاء عليها إلى امارة آل سعود تنفيذاً للمبدأ الخامس من مبادئ الحركة الوهابية الذي ينص على ان كل بلد يدخله أنصار الوهابيين فهي حلال لهم، وأن أمكن لهم البقاء فيها الحقت بأملاكهم وان لم يمكنهم البقاء فيها اكتفوا بما يصل إلى ايديهم من الغنيمة. ومن خلال هذا المنطلق العقائدي "الايديولوجي" وجد الأمير محمد بن سعود ضالته الكبرى في التوسع وبسط النفوذ على كل مناطق الجزيرة والخليج العربي باسم الدين وتحت ظلال الدعوة الوهابية التي قرن اسمها "بالاصلاح الديني"، وقبل هذا التحالف لم يكن لآل سعود أي تأثير يذكر في شؤون الجزيرة العربية بل كان شأنهم في ذلك شأن غيرهم من شيوخ المقاطعات النجدية.. وكانت الجزيرة العربية مقسمة إلى عدة مناطق لكل منها أمير يمتد أو يقصر نفوذه حسب كفاءته الشخصية وهمته وقوته.. والأمراء البارزون في ذلك الحين هم اشراف الحجاز وبنو خالد حكام الأحساء وما جاورها من المنطقة الشرقية على الخليج العربي وآل معمر في العينية وامام صنعاء في اليمن بما فيها عسير ونجران وابو سعيد في مسقط وعمان والسعدون في العراق. ولكن بعد ان تعاهد الأمير محمد بن سعود مع محمد بن عبد الوهاب على اكتساح دويلات وامارات الجزيرة العربية واحدة تلو الأخرى بدعوى تطهيرها من البدع والخرافات دخلت نجد أو بالاحرى الدرعية مع سائر الامارات الأخرى في حرب دامية وصدامات طاحنة، وكان عام1765م من أشد السنين واقساها على محمد بن سعود المناصر الأول للدعوة فقد تحالف فيها حاكم الاحساء عرعر الخالدي مع قبائل نجران([1]) بزعامة الشيخ حسن بن هبة الله المكرمي وتواعدا على الزحف نحو الدرعية للقضاء على مهد الدعوة الوهابية وكسر شوكتها. وعندما وصلت قبائل نجران إلى منطقة "الحائد" جنوب الرياض اشتبكت في قتال ضروس مع القوات السعودية بقيادة عبد العزيز بن محمد بن سعود وقد تمخض ذلك عن تراجع القوات السعودية وانسحابها من حلبة القتال بعد ان فقدت اربعمائة مقاتل من أفرادها، ومن ثم تم الاتفاق مع الشيخ هبة الله والتصالح معه ليعود من حيث أتى([2]). وكان هذا الاتفاق وراء تراجع جموع بني خالد ومن التف حولهم من عشائر العجمان وامتناعها عن القيام بغزو الدرعية وتطهيرها من الوجود الوهابي بعد ان بلغت مشارفهما واصبحت قاب قوسين أو أدنى منها.([3]) وبعد ان توفي محمد بن سعود عام 1766م تولى الأمر من بعده ابنه الأكبر عبد العزيز والذي سار على نهج والده في التعاون مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب على نشر الدعوة الوهابية في المنطقة وشن الغزوات والحروب ضد بلدانها واقاليمها المختلفة بغية اخضاعها للدعوة الجديدة وبالتالي اخضاعها للنفوذ السياسي السعودي وبالفعل استطاع عبد العزيز بعد معارك ضارية أن يضم إلى امارة نجد كل من البحرين والكويت وامارات الخليج بما فيها الاجزاء الساحلية من عمان. وفي تلك الأثناء وصلت أنباء الحركة الوهابية إلى منطقتي عسير ونجران اليمنيتين بحكم موقعهما الجغرافي المحاذي لاقليم الحجاز، وكانت المنطقتان حينذاك يحكمهما حكام محليون يخضعون للدولة اليمنية المركزية عندما تكون في أوج مجدها وقوتها، ويستقلون عنها عندما تفتر قوتها ويضعف نفوذها شأنهما في ذلك شأن بقية المناطق اليمنية الأخرى. وعند ذلك زار امارة الدرعية أحد وجهاء عسير ويُدعى محمد بن عامر وكنيته "أبو نقطة" ليعلن عن اخلاصه لابن سعود لعله يكسب ثقته، ويكون وسيلته لنشر الدعوة الجديدة في عسير مقابل تزويده بالاموال الوفيرة.([4]) ولقد راقت الفكرة لعبد العزيز بن سعود بعد أن وجد فيها ضالته المنشودة لتحقيق أهدافه التوسعية في الأراضي اليمنية، فأمر بارسال قوة سعودية كبيرة بقيادة ربيع بن زيد الدواسري شيخ الدواسر إلى منطقة عسير عام 1796م برفقة محمد بن عامر "أبو نقطة" وتمكنت القوة من دخول مدينة بيشة واخضاعها للدعوة الوهابية.. وفي ذات الحين كان محمد بن عامر واخوه عبد الوهاب يعملان على اخضاع المناطق اليمنية الأخرى للدعوة الوهابية([5]). ولقد تمكنا بعد قتال ضروس من اخضاع منطقة أبو عريض للدعوة وارغام أميرها الشريف حمود أبو مسمار" على القيام من جانبه هو الآخر بنشرها والترويج لها والتوسع باسمها داخل الأراضي اليمنية([6]) ولهذا استولى الشريف حمود في عام 1805م على "مور" و"اللحلية" و"الحديدة"([7]) لصالح الدعوة غير انه فشل في اقناع سكانها بقبول مبادئها والتقيد بتعاليمها والخضوع أمامها. وعندما رفض الشريف حمود التوسع في الأراضي اليمنية لصالح الدعوة الوهابية أكثر فأكثر، اصدر ابن سعود أمره إلى عبد الوهاب بن عامر لقتال الشريف حمود ومعاقبته جزاءً لتهاونه وتراجعه في احتلال المناطق اليمنية واخضاعها للدعوة الوهابية وخلال القتال بين الطرفين لقي عبد الوهاب حتفه فيه([8]) مما أدى إلى تعيين طامي بن شعيب أميراً جديداً لمنطقة عسير حيث واصل غزاته في المنطقة وتنمكن من استرجاع القنفذة من قوات محمد علي باشا التي كانت قد استولت عليها قبل ذلك، ثم قام بغزو تهامة والاشتباك مع قوات الشريف حمود في موقعة "بربر" مما أدى إلى الحاقها باضرار فادحة([9]). ولما كان طامي بن شعيب من أشد الداعين لتأييد الدعوة الوهابية في المنطقة فقد استنصر اشراف عسير أبناء عمومتهم اشراف مكة الموالين للاتراك ومحمد علي باشا فجاءتهم نجدة مصرية عام 1813م وجرت عدة معارك ضارية بين القوات المصرية وقوات طامي بن شعيب في ذلك الحين وقد انتهت المعارك بانسحاب القوات المصرية إلى الطائف وارسال "طومسون" بن محمد علي إلى ابيه يطلب نجدته مما أدى إلى ان يسير محمد علي بنفسه إلى الحجاز في أغسطس 1813م([10]) لمتابعة القتال وفتح البلدان، وكان أول ما فعله ان اعتقل الشريف "غالب" حاكم مكة لارتيابه في اخلاص وعهد إلى ابنه "طومسون" ان يتخذ من الطائف مقراً لقيادته ثم أمر قواته بالزحف نحو عسير فاحتلت "القنفذة"وواصلت سيرها لاحتلال المناطق الأخرى مثل "تربة" و"بيشة" شمال عسير([11]). وفي هذا الوقت أراد محمد علي ان يستغل الخلاف الناشب بين طامي بن شعيب وبين الشريف حمود بهدف الأضرار بالاول والتخلص منه فأرسل محمد علي أحد اتباعه "يوسف أغا" إلى الشريف حمود يعرض عليه الاتحاد مع المصريين في حروبهم ضد طامي وضد الدعوة الوهابية في المنطقة، فراقت المفكرة للشريف حمود للتخلص من خصمه طامي ومن ثم الاستئثار بحكم المنطقة فخاض معارك ضارية ضد طامي بن شعيب مستعيناً بالقوات المصرية وتمكن من هزيمة طامي واعتقاله وارساله إلى الاستانة حيث أعدم هناك.([12]).
على ان هذا الانتصار كان وراء اندفاع محمد علي لارسال قوة كبيرة بقيادة إبراهيم باشا لاحتلال "الدرعية" عاصمة الدولة السعودية وهدم قلاعها وحصونها حيث دار قتال ضروس بين القوات المصرية والقوات السعودية المرابطة فيها مما أضطر بعبد الله بن سعود في آخر الأمر إلى التسليم وطلب الامان من القوات المصرية عام 1818م غير ان هذه القوات ارسلته إلى مصر ومنها إلى الاستانة حيث أعدم هناك وباعدامه انتهت الدولة السعودية الأولى وتهاوت قلاعها وتلاشت الدعوة الوهابية وانتهى وجودها في منطقة الجزيرة برمتها([13]). أما بالنسبة لاوضاع عسير عقب اعدام طامي بن شعيب في الاستانة فقد تولى أمرها محمد بن أحمد المحتمي عام 1814م غير انه قتل هو الآخر على يد القوات التركية في عسير عام 1814م غير انه قتل هو الآخر على يد القوات في عسير عام 1817م وبعد ذلك تولى حكم عسير عدد من الأمراء المحليين وهم سعيد بن مسلط المفيدي عام 1823م وعلي بن مجثل عام 1827 وعائض بن مرعي المفيدي عام 1834م "المؤسس الأول لحكم آل عائض في عسير" ومحمد بن عائض عام 1856م والذي قتل مع 25 شخصاً على يد القوات التركية عام 1872 وطويت بقتله امارة عسير واصبحت تدار مباشرة من قبل الدولة التركية([14]) بعد ان استعادت سيادتها ونفوذها في اليمن([15]). وفي عام 1820 سعى تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود إلى ان يستعيد نفوذ الحكم السعودي من جديد فتمكن من الاستيلاء على الدرعية وبسط نفوذه عليها، وبعد ان توفي عام 1834 تولى الأمر من بعده ابنه فيصل الذي سعى إلى تجنب غزو الأراضي اليمنية بما فيها عسير ونجران أو الاقتراب منها أو ارسال الدعاة الوهابيين إليها كما فعل اجداده من قبل وذلك نظراً لكون اليمن عموماً تشكل مقبرة حقيقية لكل الغزاة والطامعين فيها في حين استطاع فيصل ان يمد نفوذه ليشمل اجزاء هشة وضعيفة من المنطقة حيث كانت دولته التي أطلق عليها اسم الدولة السعودية الثانية يحدها من الشمال خط يمتد من جنوب العامر غرب الكويت مباشرة عند نهايتها الشرقية، ومن الجنوب نجد والربع الخالي أو الصحراء الكبرى في اتجاه الخليج العربي، ومن الشرق تنحدر الحدود إلى الخليج والى الكويت من طرفها الشمالي، فنازلاً إلى ابي ظبي بعد ان يمر خط الحدود إلى الداخل قليلاً حتى يصل إلى البريمي وينحني نحو الجنوب الشرقي، وتمتد وراء تلال مسقط وعمان ومن الغرب يحدها خط يمتد تقريباً من الشمال والجنوب بين الحجاز من جهة ووادي الدواسر من جهة أخرى([16]). ومواكبة لحركة التاريخ دارت الدائرة على الحكم السعودي مرة أخرى إذ دخل عبد الرحمن بن فيصل في حروب طاحنة ومواجهات دامية سواءً مع أبناء عمومته من آل سعود الذين استعانوا بالمصريين عليه أم مع الزعامات المحلية التقليدية والتي تصدرها محمد بن رشيد والذي استطاع في معركة "حريملا" بنجد التغلب على عبد الرحمن والانتصار عليه ومن ثم اجباره على الهرب إلى قبيلة العجمان والاحتماء بها، وكانت هذه المعركة آخر معركة قادها حكام الدولة السعودية الثانية كما كانت بمثابة الإعلان عن نهاية تلك الدولة وزوال نفوذها ووجودها عام 1891م. يتضح من خلال العرض السالف بيانه ان منطقتي عسير ونجران ظلتا منذ فجر التاريخ وحتى الثلاثينيات من القرن الحالي تشكلان جزءاً لا يتجزَّأ عن اليمن الطبيعي بحكم واقعهما الجغرافي والتاريخي والسياسي والثقافي والسكاني كما يتضح أيضاً ان المنطقتين لم يسبق لهما ان خضعتا لأي سلطة في نجد أو الحجاز منذ ان تفككت الدولة الإسلامية الكبرى عام 750م وحتى احتلالهما على يد النظام السعودي عام 1934".
([1])ناصر السعيد ـ تاريخ آل سعود منشورات اتحاد شعب الجزيرة العربية ـ الجزء الأول "غير معروف مكان وتاريخ النشر" ص 329.
([2])محمد بن أحمد العقيلي: من تاريخ المخلاف السليماني والجنوب العربي في التاريخ ـ الرياض ـ مطابع الرياض ـ 1958 ص 571.
([3])د ـ عبد الله الصالح العثيميين ـ تاريخ المملكة العربية السعودية مطابع الشريف الرياض 1986م ص136.
([4]) محمد بن أحمد العقيلي ـ المصدر السابق ص 495.
([5])ايمن الريحاني ـ ملوك العرب ـ الحجاز ـ اليمن ـ عسير ـ لحجـ والنواحي المحمية ـ بيروت: دار الجيل ـ الطبعة الثامنة ـ بدون تاريخ الطبع ص 57.
([6]) د/عبد الله الصالح العثيميين ـ المصدر السابق ص 140.
([7]) محمد بن أحمد العقيلي ـ المصدر السابق ص 573.
([8]) د/أحمد يوسف أحمد ـ الدور المصري في اليمن القاهرة ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب 1981م، ص20.
([9]) محمود كامل المحامي ـ اليمن شماله وجنوبه ـ بيروت، دار بيروت للطباعة والنشر 1986.
([10])محمد بن أحمد العقيلي ـ المصدر السابق ص 574.
([11]) د/ مديحة أحمد درويش ـ تاريخ الدولة السعودية وحتى الربع الأول من القرن العشرين ـ جدة ـ دار الشروق الطبعة الرابعة ص 1987 ص52.
([12]) محمد بن عيسى العقيلي ـ المصدر السابق ص 574.
([13]) /عصام ضياء الدين ـ عسير في العلاقات السياسية السعودية اليمنية "1919ـ1934" ـ القاهرةـ دار الزهراء للنشر 1989 ص16.
([14]) د/عبد الله الصالح العثيميين ـ المصدر السابق ص 244.
([15]) د/مديحة أحمد درويش ـ المصدر السابق ص66.
([16]) د/عبد الله الصالح العثيميين ـ المصدر السابق ص305.
يرجع تاريخ ظهور الادارسة في عسير إلى وقت وصول أحمد بن ادريس إلى "صبيا"([1]) عام 1829 لزيارة بعض تلاميذه ومريديه هناك([2]) حيث كانت "صبيا" محط الرحال ومنتجع لقاصدي وطالبي التبرك والابتهال الصوفي([3]) وكان قبل ذلك مقيماً في مكة منذ عام 1799م حيث قدم إليها من المغرب العربي حاجاً قبل ذلك بسنوات([4]) ثم اتخذها مكاناً للعبادة ودراسة علوم القرآن والسنة المحمدية.([5]) وكان أحمد بن ادريس قد ولد في الفرائش على ساحل البحر المتوسط من أعمال فاس في المغرب العربي عام 1758م وتلقى علوم الصوفية هناك على يد بعض اقطابها في المغرب كالشيخ عبد الوهاب التازي والشيخ المجيدي وغيرهما من المشائخ الآخرين([6]). وكان أحمد قبل وصوله إلى "صبيا" قد توجه إلى تهامة اليمن ماراً بطريق الليث وجيزان فالحديدة فزبيد حيث تلقاه مشائخها وعلماؤها بالحفاوة والتكريم([7]) وهذا ما أشار إليه أمين الريحاني بقوله: "جاء الادريسي إلى اليمن مبشراً بعقيدته، داعياً إلى طريقته، ناشراً ما منحه الله من اسرار الكتاب والسنة.. وكان حيثما نزل محترماً مبجلاً فنظمت في مدحه القصائد وتبارى في ذي الحلبة شعراء زبيد وبيت الفقيه وتعز ووصاب، وتهافت عليه الناس خاصة وعامة يستنيرون بمشكاته وينتفعون ببركاته.. بل كان العلماء والمشائخ له سامعين، وعنه آخذين، وكانت زبيد نقطة دائرة آماله. أقام أول مرة فيها عشرون يوماً، وعاد بعد ان طاف في تهامة إليها، فأقام فيها بضع أشهر، فأخذ الناس يتسابقون إلى اقتبال دعوته ونشر طريقته التي أجازها لعبد الرحمن بن سليمان الاهدل هو وأولاده اجازة عامة في جميع العلوم المقربة من الله تعالى.([8]). وقد مكث أحمد بن ادريس في "صبيا" منذ ذلك الحين حتى وفاته في 21 أكتوبر 1837م بعد أن أصبح الزعيم الديني المرموق في المنطقة وقد خلق وراءه لابنائه ثروة مادية ومعنوية لا يستهان بها هيأت لعائلته من بعده مكانة عالية في المنطقة([9]). وبعد وفاة أحمد بن ادريس تولى الزعامة الدينية من بعده ولده الأكبر محمد واستمرت زعامته سائدة في المنطقة حتى وفاته عام 1879م ثم تولاها من بعده ابنه علي المتوفي عام 1907 وفي هذا الوقت اشتهرت الأسرة الادريسية بالتقوى والصلاح في المنطقة([10]). وقد ولد محمد في "صبيا" عام 1876م وتلقى تعليمه في الأزهر بالقاهرة والكفرة مقر السنوسية وفي برقة بالمغرب العربي حيث قرأ هناك على يد السنوسي ومنها إلى السودان فتزوج بابنة "هارون الطويل" شيخ الطريقة الاحمدية هناك([11]) ثم عاد إلى صبيا حيث مثوى جده عام 1907م بعد ان اكتمل نضجه واتسعت معارفه ومداركه واصبح أكثر معرفة والتصاقاً بالعالم من حوله. وعندما عاد محمد إلى "صبيا" استقبله أهلها بالحفاوة والترحيب بعد ان رأوا فيه ورع جده وصلاحه وتوسموا فيه خيراً لانقاذ البلاد من الأوضاع المتردية والاحوال السيئة فالتفوا حوله وطالبوه بالبقاء في "صبيا" وعاهدوه على الوقوف إلى جواره ومؤازرته في مواجهة الشدائد والخطوب([12]) وقد استطاع التأثير على قلوب الناس وجمعهم إلى جواره حيث كان يرد إليه قرابة خمسة آلاف شخص يومياً يؤمهم للصلاة ويعلمهم أمور الدين.([13]) وفي تلك الأثناء نظرت إليه تركيا نظرة استخفاف واستهجان واعتبره الشريف حسين أمير مكة ظاهرة طارئة قابلة للزوال، اما الإمام يحيى فقد هاله نفوذ محمد الادريسي وسطوته ومكانته في المنطقة فبادر إلى التحالف معه على محاربة الاتراك وقتالهم حتى يتم جلاؤهم عن البلاد كلها([14]) ولكن هذا التحالف معه لم يدم طويلاً حيث انفرط عقده نتيجة لقيام الإمام يحيى بابرام اتفاقية "دعان" مع الاتراك في 9 أكتوبر 1911م والتي تضمنت اعطاءه حق الاشراف على شؤون القضاء والاوقاف وتعيين الحكام والمرشدين وتشكيل هيئة شرعية كما تقرر مبدأ جباية الواجبات "العشور" وغيرها على الطريقة الشرعية([15]) وتعهدت تركيا بأن تدفع للامام وبعض المشائخ في حاشد وبكيل مشاهرات مالية مقدارها الفان وخمسمائة ليرة ذهبية([16]) نظير الاعتراف بالسيادة التركية على اليمن([17]). وبعد انتهاء التحالف بين الإمام يحيى والادريسي واصل الأخير حملاته العسكرية ضد عدد من المناطق المجاورة وسعى لتوسيع نفوذه على اجزاء كبيرة منها.. وقد لاقى تجاوباً ونجاحاً كبيرين في ذلك حيث استطاع ان يمد نفوذه إلى صعدة وحاشد.([18]) ومواكبة لذلك أحتل الادريسي "أبها" عاصمة العثمانيين في عسير غير انه خرج منها فيما بعد نتيجة لتدخل الشريف حسين بقواته إلى جانب العثمانيين وبعد ذلك اتخذ الادريسي من جبال عسير الجنوبية حصناً له ولقواته استعداداً للانقضاض على المراكز المواقع التركية في المنطقة([19]) وبينما كان متحصناً في جبال عسير قامت ايطاليا في أكتوبر 1911م بمحاصرة موانئ جيزان والحديدة وغيرهما من الموانئ الأخرى على البحر الأحمر وبادرت إلى ضرب الحديدة بمدافعها على أثر استيلائها على طرابلس الغرب وحتى يتم اشغال تركيا عن توجيه أي حملةٍ عسكرية لاستعادة طرابلس([20]). وفي ذات الوقت قامت ايطاليا بالاتفاق مع محمد الادريسي على فتح جبهة داخلية ضد الاتراك وامدته من مستعمراتها في اريتيريا بالمال والسلاح ونتيجة لذلك قام الادريسي بضرب الاتراك في عسير([21]) واحتلال "صبيا" و"جيزان" و"أبو عريش" وفرض نفوذه وسيادته عليها([22]). وفي عام 1913 عرض العثمانيون الصلح على الادريسي وقدموا له عرضاً بأن يكون رئيساً على تلك الجهات بمالية كافية شهرية على ان يكون تحت طاعة الإمام يحيى غير ان الادريسي رفض العرض العثماني وسعى نحو ترسيخ الاستقلال الذاتي لامارة عسير فقام باختيار علم خاص للامارة وتصريف امورها الداخلية وعقد المعاهدات التجارية مع الدول وجعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية في التخاطب والمراسلات مع الحكومة التركية وغيرها من الدول الأخرى([23]). ومن المعروف ان الإمام يحيى لم يستغل فرصة دخول تركيا في صدامات الحرب العالمية الأولى ليضرب ضربته للتخلص من الحكم العثماني في اليمن، كما انه في الوقت نفسه لم يناصب منافسيها البريطانيين العداء بل تميز موقفه من الجانبين المتصارعين بالتزام الحياد دون ان يقوم بعمل ايجابي واضح لمساعدة إحدى القوتين على الأخرى، وانما تصرف بكل حذر ودقة تبعاً لما أملته عليه مصالحه الخاصة. فقد كان يهمه بالدرجة الأولى المحافظة على كيانه حتى يستفيد بأكبر قدر من الفائدة التي كان يتوقع ان تتمخض عنها الحرب الكونية الأولى([24]).
وعلى عكس الإمام يحيى كان محمد الادريسي يتمتع بأفق واسع وادراك بير لحقيقة التعامل مع معطيات عصره([25]) حيث استطاع استغلال ظروف الحرب العالمية وتطويعها لما يخدم أهدافه ومصالحه في المنطقة ويتجلى ذلك في قيامه بعقد معاهدة مع الحكومة البريطانية في 30 ابريل 1915م بواسطة المقيم البريطاني في عدن([26]) تم بموجبها امداده بالمال والسلاح وكذلك حماية عسير من التعديات الخارجية([27]) فضلاً عن الاتفاق على قيام الاسطول البريطاني بمساندة تحركاته في تهامة ان دعت الحاجة إلى ذلك([28]) كما عقدت معه الحكومة البريطانية معاهدة أخرى في 22 يناير 1917م وقعها عنه مصطفى الادريسي وتنص على تثبيت نفوذ الادريسي على جزر "فرسان" المجاورة لعسير واعتبارها جزءاً من امارته شريطة عدم بيعها أو تأجيرها أو التنازل عنها لأية قوة أجنبية، كما تنص المعاهدة على تزويد الادريسي بالسلاح خلال الحرب وبعدها وضمان حق اللجوء إلى اراضيها إذا ما وقعت أزمة في بلاد عسير([29]) وقد أخرجت الحامية التركية من جزر "فرسان" واصبحت فيما بعد تحت سيطرة الادريسي وضمن امارته([30]). وإذا كان محمد الادريسي قد استطاع من خلال هذه المعاهدة الحصول على المساعدات البريطانية لتحركات قواته في تهامة.. واموال إلى جانب مساندة الاسطول البريطاني لتحركات قواته في تهامة.. فإن البريطانيين كانوا يعتبرون تحالفهم معهم بمثابة اجراء وقائي ضد أية محاولا معادية قد يقوم بها الإمام يحيى صديق الاتراك ضد القوات البريطانية في عدن، وذلك بعد ان ضمن البريطانيون انضمام الادريسي إلى جانبهم وقيامه باغارات مستمرة على القوات التركية في اليمن تشغلها عن منازلة الحلفاء في مناطق الحروب الأخرى وتؤدي إلى استنزاف الطاقات التركية واهدارها([31]). وفي أول مايو 1915م قام الادريسي بتوسيع رقعة امارته في المنطقة عن طريق تسيير حملة عسكرية كبيرة بقيادة مصطفى عبد المتعال الادريسي، لمهاجمة "اللحية" والاستيلاء عليها ومن أجل ذلك قام مصطفى بتقسيم قواته إلى فرقتين في مواجهة "اللحية" الفرقة الالية تولاها "أحمد الحازمي" والفرقة الثانية تولاها "الحسين بن أحمد بن مسمار" ولكن الهجوم لم يسفر عن نتائج حقيقية نظراً لقوة الاستحكامات الدفاعية حول اللحية وصلابتها([32]). وفي اليوم التالي اتجه مصطفى الادريسي على رأس قوة عسكرية مؤلفة من عشرة آلاف مقاتل لمهاجمة الاتراك واستطاع الحاقهم هزائم عديدة ثم واصل هجومه شرقاً حتى قرب صعدة وشمالاً في تهامة حتى ميناء القنفذة([33]). وبعد ذلك حاول الادريسي توسيع امارته على حساب بعض المناطق الأخرى ولكنه لم يستطع هذه المرة تثبيت مركزه عليها بعد ان أمني ببعض الهزائم والانكسارات والتي جعلته يلجأ إلى تجميد تحركاته وفتوحاته في البلاد([34]) وقد استمر الادريسي على هذا المنوال حتى 10 نوفمبر 1916م حين وصلت إلى جيزان البارجة "نورتبروك" وعلى متنها الكوماندور ترتون والكابتن رايلي والليفتنانت نالدر بهدف مقابلته وطمأنته باستمرار المساندة البريطانية له في المنطقة([35]) وفور ذلك مباشرة قام الادريسي بقتال الاتراك بالقرب من "محايل" ثم استلم بعد ذلك القنفذة من القوات البريطانية التي رفعت علم الادريسي ـ الراية الشريفة ـ من قبيل احترام الادريسي وتقديره([36]). ولقد وجد الادريسي ـ معارضة شديدة من جانب الشريف حسين والذي كان يرى ضرورة ضم القنفذة إلى املاكه وليس للامارة الادريسية في عسير ونتيجة لذلك حدث صدام بين الشريف حسين والادريسي تدخلت بريطانيا لحل الخلاف بينهما عن طريق الزام الادريسي بالانسحاب من القنفذة وتسليمها للشريف حسين وقد اغضب ذلك الادريسي غضباً كبيراً إلى حد جعله يفكر في الكف عن محاربة الاتراك واثارة المصاعب امامهم في المنطقة. وقد ظلت الاوضاع في المنطقة سائدة على هذا النحو في المنطقة حتى وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها عام 1918م وعند ذلك فرض على تركيا تسليم قواتها في اليمن والمدينة المنورة مع كامل معداتها للانجليز والذين رفضوا بدورهم الادريسي للاشراف على انسحاب الاتراك من منطقة عسير اليمنية باعتباره صاحب السلطة الفعلية فيها([37]). وفي هذا الوقت كان الدور السعودي في نجد آخذاً في التصاعد والازدياد بصورة تبعث على الخوف الشديد وكان الدور الجديد قد بدأ خروج عبد العزيز من الكويت بصحبة 60 رجلاً من اتباعه وتم له السيطرة على الرياض عام 1902 بعد ان قتل فيها ابن عجلان عامل آل الرشيد وفي العام التالي تمكن من السيطرة على "الخرج" و"الافلاج" و"الحوطة" و"وادي الدواسر" ومن هناك أخذ في ملاحقة قوات ابن الرشيد "في حائل" ووسط "نجد" وتمكن من السيطرة على "القصيم" وقتل منافسه التقليدي عبد العزيز بن رشيد في معركة عرفت بموقعة "روضة مهنا" عام 1905م ثم أخذ يوجه اهتمامه إلى "الاحساء" و"القطيف" حيث تمكن من السيطرة عليهما عام 1913م وعند ذلك ثارت ثائرة آل الرشيد ضد عبد العزيز فاشتبكوا معه في معركة "جراب" عام 1915م وتمكنوا فيها من الانتصار عليه بعد ان كبدوه خسائر فادحة في الارواح الأمر الذي جعله يفكر ملياً في مصير المعارك القادمة مع خصومه آل الرشيد ومع الخصوم الآخرين،فأندفع نحو بريطانيا والتي كانت تتمتع بنفوذ واسع في المنطقة العربية برمتها ـ ليطلب عونها ومساندتها له حتى يتمكن من شن الحروب والغزوات التوسعية في المنطقة بنجاح كبير([38]) وعند ذلك ادركت بريطانيا بنظرتها الاستعمارية الثاقبة وبخبراتها السياسية العريقة أهمية الدور الذي يمكن ان يؤديه عبد العزيز آل سعود لخدمة سياستها الاستعمارية المستقبلية ليس في منطقة شبه الجزيرة والخليج وحسب وانما في المنطقة العربية برمتها.. فعقدت بريطانيا معه اتفاق "العقير" عام 1915م والذي حصل بموجبه على مساعداتها العسكرية والمالية والسياسية وهي المساعدات التي أهلته إلى ان يخلع على نفسه لقب "سلطان نجد وملحقاتها عام 1918 وجعلته بالتالي يشدد من حملاته التوسعية في منطقة شبه الجزيرة العربية".
وعندما تزايد نفوذ محمد الادرسي في منطقة عسير اليمنية وبشكل أثار غضب واستياء آل عايض زعماء عسير التقليديين مما جعلهم يسعون لمحاربة وزعزعة وجوده في المنطقة، استنجد الادريسي بعبد العزيز آل سعود طالباً عونة ومؤازرته في مواجهة القوى اليمنية الثائرة عليه فاستجاب عبد العزيز لذلك نكاية بالشريف حسين حاكم مكة المكرمة والذي كان يقف إلى جوار آل عائض ويعمل على مناهضة النفوذ الادريسي في المنطقة.. فوجه عبد العزيز حملة عسكرية بلغ قوامها ثلاثة آلاف مقاتل واسند قيادتها إلى ابن عمه عبد العزيز بن مساعد والذي سار بها إلى منطقة عسير في مايو "ايار 1920م"([39]) فالتقت مع قوة آل عائض في موقع "الحجلة" بين أبها وخميس مشيط ودارت بينهما معركة حامية خسر فيها الطرفان أعداداً كبيرة من الأشخاص ثم اتجهت القوة السعودية الغازية بعد ذلك إلى أبها التي استسلمت قواتها، وتمكنت من أسر حسن ومحمد آل عائض وارسالهما إلى الرياض وظلا فيها عدة أشهر قيد الأسر، ثم عادا بعد ذلك إلى عسير بعد أن تعهدا بالكف عن مقاتلة الادريسي أو التعرض له([40]). وفي أثناء تواجد القوات السعودية الغازية في منطقة عسير اليمنية وصل ركب الحجاج اليمنيين إلى موقع "ثنومة" المجاور لأبها متوجهاً إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج لموسم عام 1921م([41]) وهناك أحدقت بهم القوات السعودية وباشرتهم باطلاق الرصاص عليهم من شتى الجوانب والاتجاهات([42]) وقتلت منهم مؤخرة الركب فلاذوا بالفرار عند سمعهم دوي الرصاص ومشاهدتهم سقوط الضحايا على الأرض([43]). ولقد ترك هذا العمل الإجرامي الشنيع آلاماً شديدة وجروحاً داميةً لدى الشعب اليمني كله، بل ان هذا العمل سيبقى على مدار التاريخ يشكل منعطفاً خطيراً في مجرى العلاقات اليمنية السعودية وتطوراتها المختلفة. من هذا العرض يتضح ان الادارسة قد تمكنوا من بسط نفوذهم على عسير بعد مواجهات عسكرية ضد الأتراك حظوا خلالها بدعم بريطانيا التي أبرمت معهم معاهدتين مكنتهم من بسط سيطرتهم على المنطقة كما يتضح أيضاً أن الوجود السعودي في منطقة عسير اليمنية خلال هذه الفترة كان وجوداً ضحلاً وهشاً إذ لم يتعد وجود ثلة من الجنود الوهابيين الذين قدموا اليها من أجل مؤازرة الادريسي ومعاونته في حروبه مع آل عائض زعماء عسير الحقيقيين ولا شيء أكثر من ذلك([44]).
([1]) تقع "صبيا" في شمال ميناء جيزان على بعد 40 كيلو متر وهي من المراكز الرئيسية في وادي بيشة ومنذ غزاها الاتراك عام 1871م أصبحت قضاء يحمل الاسم نفسه.